
مسجد سيدي رمضان بقصبة مدينة الجزائر… أقدم مساجد المحروسة و أكثرها شعبية
خليدة زغلامي.
تحتضن أرض الجزائر الكثير من المساجد العتيقة المصنفة وطنيا أو كتراث عالمي، حيث أينما تحط الرحال يا عزيزي القارئ بمدينة جزائرية إلا وتسمع عن اسم “المسجد العتيق” الذي يعود تاريخه لمئات السنين.
حيث يعتبر “جامع سيدي رمضان” الذي تم بناؤه بحي القصبة أو كما يحلوا البعض تسميتها بالمحروسة من قبل حكام “بني مزغنة” قبل 10 قرون خلت، و نظرا لقدمه و تاريخه العريق صنف المسجد كتراث وطني و عالمي من قبل منظمة “اليونسكو” عام 1962.
ــ و الجدير بالذكر أن المصادر التاريخية تشير إلى أن تأسيس هذا المسجد كان بين القرن العاشر والحادي عشر ميلادي، حيث تم تدشينه حوالي سنة 362 هجرية الموافق لــ 973م قبل الفترة العثمانية في عهد بولوغين بن زيري (بلقين بن زيري)، فيما ورد في لوحة تذكارية توجد بـ”جامع سيدي رمضان”، وهي عبارة عن رخامة موضوعة في أحد أركان مقصورة المسجد، وكتب عليها: “بسم الله الرحمن الرحيم، تم تدشين جامع سيدي رمضان سنة 1622م.”
هذا و واجه “جامع سيدي رمضان” مختلف الحقب التي مرت على الجزائر، فكان حاضنة للدين والتراث والعلم من جهة، كما كان واجهة لمقاومة الاحتلال الفرنسي من جهة ثانية، فحمى السكان وحموه من براثن وخطط هدمه، ليصبح اليوم شامخا بخليج الجزائر رغم عوامل الزمن، ويتم الوصول إليه عبر الأزقة الضيقة التي تميز حي القصبة العتيق بالجزائر العاصمة.
ــ و لو تحدثنا عن أصل تسمية “جامع سيدي رمضان”، فنجد أن هنالك تباين بين الباحثين الجزائريين، حيث تعود تسمية هذا الصرح الديني سيدي رمضان إلى اسم أحد جنود الجيش الإسلامي الذي قدم إلى شمال إفريقيا ضمن حملة الفتوحات الإسلامية التي قادها الفاتح الإسلامي عقبة بن نافع، أين استقر هذا الجندي بعد ذلك بالجزائر العاصمة، وبعد وفاته تم دفنه في إحدى أركان هذا المسجد، ومنه أخذ هذا الصرح الديني تسميته الحالية.
وتأتي رواية أخرى عن أصل «سيدي رمضان» أنه ولي صالح تعود أصوله إلى أحد عروش مدينة الزيبان ببسكرة، وقد ذكر الشيخ عبد الرحمن الجيلالي في كتابه” تاريخ الجزائر العام” هذا الاسم لكن ليس بلفظ «سيدي رمضان» ولكن بلفظ «القائد رمضان» وترجم له قائلا:
أصل “القائد رمضان” من جزيرة سردينيا وقع أسيرا بيد تاجر تركي فهذبه وعلمه، و نظرا لذكائه وحميد خصاله ترقى في مناصب الإدارة إلى أن ولي رئاسة حكومة الجزائر سنة 981هـ/1574 م، فكان عهد ولايته عهد سعادة وازدهار… – عبد الرحمن الجيلالي، تاريخ الجزائر العام.
كما ذكر «ابن المفتي» هذا الاسم أثناء حديثه عن الجلسات القضائية التي كانت تعقد في المسجد وأهم الشخصيات التي كانت تحضر هذه الجلسات، حيث يقول: “وكانت المسائل الهامة على العموم تنظر يوم الخميس، و في ذلك اليوم يجتمع العلماء، وهم القاضيان والمفتيان للحنفية والمالكية، وفي البدء كان يساعدهم عدد من ذوي المَحْتَد أي أعيان وأشراف البلد، أمثال سيدي رمضان وبعده ابنه سيدي المهدي وبعده ابنه سيدي محمد شريف” – ابن المفتي حسين بن رجب شاوش، تقييدات ابن المفتي في تاريخ باشوات الجزائر وعلمائهاــ
ــ أما فيما يخص هندسته المعمارية فيمكننا القول أن جامع “سيدي رمضان” الواقع بالعاصمة الجزائرية تبلغ مساحته حوالي 400 متر مربع، وطوله 32 مترا، وعرضه 12 مترا، وتصل طاقة استيعابه الإجمالية للمصلين إلى 1000 مصلٍ، وبه مئذنة واحدة يبلغ طولها 10 أمتار، هذا و يحمل سقف المسجد 18 عموداً من الحجارة، وتبعد كل واحدة عن الأخرى بنحو 3 أمتار، فيما يشد السقف 4 أعمدة بأشكال عادية تنتهي بنقوش هندسية في أعلاها، كما ينقسم المسجد إلى 3 أروقة بالطول و9 أروقة بالعرض، تحت سقوف قرميدية وبه أيضا محرابين، ويوجد به ما يعرف بـ”السقيفة” وهي رواق أو ساحة صغيرة تقود مباشرة إلى قاعة الصلاة، وبها عين تشتهر بمائها البارد طوال العام، وبه أيضا غرفة صغيرة يطلق عليها “المقصورة” بجانب المسجد، فيما يطلق عليها سكان العاصمة الجزائرية “البويتة” وتعني “البيت الصغير جدا”، وهي غرفة مخصصة للإمام.
ــ و للإشارة أنه بدأت أشغال ترميم مسجد سيدي رمضان في سنة 2001م تحت إشراف وزارة الثقافة، وتم العثور على محراب ثان في المسجد أثناء هذه العملية الترميمية التي لحقت بهذا المعلم الديني، حيث انتهت أشغال الترميم في مسجد سيدي رمضان في سنة 2010م حين فتح أبوابه من جديد للمصلين، ولكن سكان منطقة القصبة العليا كانوا يؤدون الصلاة فيه طوال فترة الترميم التي دامت تسع سنوات، في أرضية محاذية للمسجد.
وصار هذا الجامع بعد إعادة فتح أبوابه قادرا على استيعاب ألف مصل بعد استكمال أشغال الترميم الداخلية داخل هذه البناية بشكل نهائي،
ثم تواصل استكمال أشغال الترميم الخارجي المتبقي لهذا المسجد العتيق الذي شيد في القرن الحادي عشر في نفس السنة التي شيد فيها المسجد الكبير في أسفل القصبة.
الجدير بالذكر أيضا أنه رغم كثرة المساجد، فإن كثيرا من سكان العاصمة ما زالوا يفضلون التوافد على مسجد “سيدي رمضان” خصوصا في شهر رمضان، حيث تنظم فيه حلقات يومية للذكر، وقراءة القرآن، وصلاة التراويح، والتهجد.