
المرشدة السياحية أمال حواس للسياحي:
زيارتي لولاية تمنراست جعلتني أفهم مقولة الصحراء تعاش و لا تحكى
أمال حواس مرشدة سياحية مختصة في قصبة الجزائر، و في نفس الوقت ناشطة سياحية تسعى لاكتشاف الجزائر و ما تزخر به من معالم و مواقع سياحية، و الهدف التعريف و الترويج للجزائر كوجهة سياحية من نوع آخر.
أمال زارت مؤخرا ولاية تمنراست التي تعتبر وجهة سياحية صحراوية من نوع آخر، و لتعرف أكثر على تجربتها و انطباعاتها حول هذه الرحلة كان لنا معها الحوار الآتي:
حاورتها: خليدة زغلامي
السياحي: أهلا بك أمال في ركن ضيف السياحي… حضرتك مرشدة سياحية مختصة في قصبة الجزائر، وفي نفس الوقت ناشطة في المجال السياحي… مؤخرا قمت بزيارة لمدينة تمنراست، لماذا اخترت هذه المدينة بالذات كوجهة صحراوية؟
أمال حواس: السلام عليكم، في البداية أشكر جريدة السياحي على هذه الاستضافة.
في الحقيقة كنت بين خيارين جنات أم تمنراست، ولكن بعد تحليلي للأغلبية الزوار والسياح يختارون “جنات” خاصة انه يوجد ترويج لها فيما يخص منطقة “سيفار”، وأنا كعادتي أحب أن اكتشف و أروج للمناطق الأقل تعريفا فاخترت الوجهة لتمنراست، و أيضا كان لدي معرفة فيما يخص “قبر تينهينان” ملكة الطوارق، و كذلك معلومات فيما يخص السلسة الجبلية الأهقار، و في الحقيقة الدافع الأكبر الذي زادني بقوة لزيارة هذه الولاية الساحرة هي صديقتي التي تقيم في تمنراست، حيث كانت تحدثني عن الحياة اليومية لسكانها، وكانت كل ما تحدثني عن الفرق الذي يوجد هنا في الشمال و ما يوجد في الجنوب، دفعني و زادني رغبة لأعيش الحياة بوجودي معهم.
السياحي: كيف تصفين لنا سحر ولاية تمنراست؟
أمال حواس: دائما كنت اسمع انه من ذهب إلى الصحراء يتمنى أن يستقر فيها، أو يرجع إليها لأنها ولاية ساحرة و وجهة سياحية من نوع آخر.
حيث مكثت في تمنراست لمدة 12 يوم، ولم أرغب أن أعود إلى العاصمة لأنني لم أتحصل على الوقت الكافي لأشبع منها و التعرف عليها أكثر، و خلال زيارتي للولاية تأكدت و عرفت حقيقة كلام ما قيل لي، لأني تركت خلفي الهدوء والراحة، و تركت الكثير من المناطق والمناظر والمواقع الأثرية التي لم أكتشفها بعد بحكم ضيق الوقت، خلال زيارة لتمنراست اكتشفت هدوء و كرم سكانها، تركت سكانها اللذين يتجولون مع نسائهم بعد صلاة المغرب إلى ساعات متأخرة في أسواقهم الغنية من كل خير، تركت خلفي عطر شوارعهم ونسيم الصحراء الذي ينبعث منها الراحة النفسية.
السياحي: ما هي ابرز المعالم و المواقع السياحية التي قمت بزيارتها؟
أمال حواس: قمت بزيارة عدة أماكن سياحية خلال هذه الرحلة التي دامت 12 يوم كما سبق و ذكرت، حيث زرت وسط المدينة لاكتشاف الحياة اليومية للسكان من أسواقها وشوارعها و كذا مطاعمها، أين وجدت “دار الصناعة التقليدية” الذي أعتبرها مهمة جدا للتعريف بالتراث الصحراوي والعادات والتقاليد عبر حليهم وأوانيهم… ، وبطبيعة الحال ولاية تمنراست تزخر بمواقع ومعالم أثرية بامتياز، فقبل الصعود للجبال والتأقلم مع الطبيعة قمنا بزيارة منطقة” تالانتشواخ” أين قام مرشد المنطقة والذي رافقنا طيلة مدة الرحلة بتهيئتنا للمغامرة واكتشاف تمنراست، حيث أقمنا في هذه المنطقة الهادئة رفقة الشاي الصحراوي الذي تعلمت طريقة تحضيره وسط الهدوء و النسمات الطيبة، بعدها انطلقنا إلى منطقة “تهابورت” و هي منطقة منبع الماء الغازية، و للإشارة أنه يوجد اسم آخر متداول لها و هو “عين الشبي” نسبة للضابط الفرنسي.
الجدير بالذكر أن هذه المنطقة نجد فيها ماء طبيعي غازي يخرج من جوف الأرض، وسكان المنطقة قاموا باستغلال المكان من خلال مرافق ترفيهية كالطاولات والكراسي للترفيه في آخر اليوم، و استغلال الطبيعة الصحراوية المليئة بالمواقع السياحية، فكل مكان يتميز بطابع خاص به.
هذا و بعد منطقة تهابورت الاتجاه كان مباشرة لثالث أعلى قمة في تمنراست ألا وهو “جبل اسكرم”، ولكن قبل الوصول إليه توقفنا في منطقة “أفيلال” هذه المنطقة التي سحرتني كوني لم و لن أرى مكان مثلها، منطقة مليئة بالنبات الأحمر بين الصخور والأحجار، وهذه النبتة المسماة بنبتة “تانَسْمِمْت” عند رؤيتها تعطي روح و شعور مميز و فريد من نوعه، و بعد المسار الذي اجتزناه بين الحجر والجبال ورؤية الألوان الترابية، وصلنا منطقة “أفيلال ” أين نجد مكان يجتمع فيه الماء ومنه ترتوي هذه النبتة الحمراء وتمتزج الألوان بين الأحمر والألوان الترابية، و اللون الأزرق لتصبح كأنها واحة من الجنة موجودة فوق الأرض، فأقل ما يقال عنه أنه مكان ساحر يستحق فعلا الزيارة، كيف لا و هو موجود بين الصخور والجبال، و ينبثق منه الأمل والاستمرار للمسار نحو مناطق أخرى… فهذه المنطقة التي رأيتها كمنبع للأمل للاستمرارية.
حيث تتواصل رحلتنا الاستكشافية إلى ولاية تمنراست، فبعد منطقة أفيلال كانت وجهتنا مباشرة إلى اجمل وأروع مكان لغروب وطلوع الشمس ألا وهو “جبل اسكرم”، ولكن قبل الوصول لهذا الجبل طيلة المسار وأنا أشاهد الصخور الضخمة والجبال التي تحمل أسامي مختلفة، كل جبل وكل صخرة تختلف عن الأخرى، و من كثرة سعادتي لاكتشافي المناطق شعلات بالترحيب الحار من هذه الصخور و الجبال، كأنه فجأة خلق عني إحساس بالطبيعة مباشرة .
و بعد الوصول إلى جبل اسكرام و المشي إلى القمة، و أخيرا رأيت أروع وأجمل غروب شمس، ذلك الإحساس الذي دفعني إلى قطع الاتصال بالعالم الحالي، جمال رباني جعلني أنسى الضغوطات وكل الحزن الذي يصيب أي إنسان، اغتنمت الفرصة و أخذت بعض من الوقت للتأمل والتوحيد والتسبيح لخلق الله، و بعد “جبل اسكرام” رسمنا الطريق إلى منطقة “إيلامان”، تلك المنطقة الهادئة التي هيأتنا للصعود إلى أعلى قمة في الجزائر ألا و هي “قمة تاهات “، و هذه التجربة أعتبرها تحدي لنفسي في سنة 2024، كونها تجربة فريدة من نوعها و كانت أول مرة أمشي تلك المسافة، بصراحة تعثرت وسقطت وكل عثرة فكرني في المصاعب التي واجهتها في حياتي، هذه التجربة جعلتني أعيد حساباتي و أن اشكر الله على كل ما رزقني، و أتأمل الطبيعة التي تعتبر راحة نفسية بدون منازع.
و من هنا يمكنني القول أن الحياة مليئة بالتجارب وتجربتي في تسلق أعلى قمة في الجزائر كان بالنسبة لي تحدي مع نفسي، والحمد لله الذي وفقني للوصول لقمة تاهات، و بعد هذه التجربة كانت الوجهة إلى أفضل ما أحب ألا وهو المناطق الأثرية، وهي منطقة “أغشوم أتاكور” منطقة محمية من الديوان الوطني للحضيرة الثقافية للاهاقار، حيث كانت المنطقة عبارة عن رسومات لأنواع الحيوانات، وحتى الإنسان أين تركت لنا بصمة لآثار الأولين.
السياحي: و فيما يخص الأكلات التقليدية التي نالت إعجابك؟
أمال حواس: كل ولاية تتميز بمطبخها التقليدي، و ولاية تمنراست غنية بالأكلات التقليدية، و حسب ما قيل لي وبطبيعة الحال نجد “الكسكسي” بلحم الحاشي أي صغير الجمل، و هنا يتفق التاريخ أن الطبق التقليدي في كل من الشمال والجنوب الغرب والشرق هو “الطبق الكسكسي جزائري” مئة بالمائة، ولكن يوجد أيضا طبق تقليدي آخر معروف جدا خاصة عند التوارق “تاقلا”، وهو نوع من الخبز الذي يجهز بالدقيق و الملح فقط، بعدها يقام بطبخه في الرمل الساخن و يعد له نوع من الصلصلة الحمراء بالطماطم والبصل، وفي الأخير يصب له دهان المعز.
السياحي: من المعروف أن كل ولاية من ولايات الجزائر تتميز بمجموعة من العادات و التقاليد الخاصة بها… كيف وجدتي عادات و تقاليد تمنراست؟
أمال حواس: كل ولاية ومنطقة لها عادتها وتقاليدها فيما يخص الأكلات واللباس وحتى النمط المعيشي في أسواقهم أو خرجاتهم، فمثلا لباس المرأة في الجنوب معروف بــ”التسغنست” وهو قماش ب متار يلف كالحايك، حتى انه عندما قمت بشرائه احتراما لأهل المنطقة وأكون مثلهم شعرت براحة في تجولي بينهم ومعهم .
ما حدث لي عند سفري لولاية تمنراست جعلني أتكد على ما يقال عنهم بأنهم أهل الكرم والجود، ففي الحقيقة تعرضت لحادث فيما يخص ذهابي لتمنراست، حيث كنت قد حجزت في مكان ولكن ذالك المكان لم يكن متاح لأسباب معينة، ووجدت نفسي مضطرة بالاتصال إلى المرشد الذي حددت معه موعد للخروج إلى الصحراء، وعندما طرحت له المشكل قام هو مع أقربائه باحتوائنا في منزلهم العائلي لكي أشعر بالأمان والطمأنينة، وهنا عرفت قيمة الكرم والجود عندهم.
السياحي: أكثر شيء لفت انتباهك في هذه الرحلة السياحية التي قمت بها لولاية تمنراست؟
أمال حواس: الشيء الذي لفت انتباهي في هذه الرحلة هو أنني أول مرة أقوم برحلة لأقصي الجنوب للتعرف على حياة وعادات تقاليد المنطقة، والشيء الذي لفت انتباهي أيضا هو الهدوء التام عكس ما نراه في العاصمة لا يوجد ضغط والسكان يقضون حوائجهم بكل أريحية، حياتهم اليومية يستغلونها بأريحية وبأتم الكلمة، وأيضا لفت انتباهي عكس ما أراه هنا في العاصمة أن أغلبية السكان فيما بينهم النساء يتجولن في الأسواق لساعات متأخرة مع أولادهم وأزواجهم، و لاحظت أيضا أن بعد الظهر يأخذون ساعات القيلولة إلى العصر وهنا فهمت لماذا عندهم الليل كالنهار، وانتبهت أيضا أن حافلات نقل العامة ليس منتشرة بكثرة، فكل فرد يملك سيارته الخاصة.
السياحي: كيف تختزلين تجربتك في السياحة الصحراوية؟
أمال حواس: تجربتي لولاية تمنراست كانت من أروع التجارب، لدرجة أنني لم أرغب العودة إلى الديار ابتلك السرعة، بالرغم أني مكثت فيها 12 يوم ، التي لم تكن كافية لاكتشاف كل الأماكن، فتجربتي السياحية لولاية تمنراست جعلتني أشعر بإحساس الراحة لكل المناطق التي زرتها، وحتى مع سكانها الذين استقبلونا أحسن استقبال في منازلهم وبمأكولاتهم المتنوعة، و من خلال تجربتي فهمت معنى مقولة الصحراء تعاش ولا تحكى .